الخبير الدولي و الأستاذ بجامعة حلوان و رئيس شعبة الميكانيكا
الخبر الجيد، هو هذا الأمر التنفيذي الذي وقعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بشأن تصنيف بعض من فروع جماعة الإخوان الاسلامية كـ"منظمات إرهابية أجنبية"، خطوة تأخرت لكنها في نفس الوقت غير مكتملة خاصة أن القرار يظل استمراره مرهون بسياسة ورغبة كل ادارة امريكية مستقبلا.
هذا القرار جاء بعد الكشف عن حجم الأموال المهولة التي تديرها فروع الجماعة على مستوي العالم، وأخرها كان التحقيق الموسع الذي أجرته صحيفة "إكسبريسن" السويدية، والذي يتعلق بشبكة من المدارس ورياض الأطفال المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين في السويد، وتحويل هذه الأموال إلى حساب الجماعة واستخدامها لتمويل أنشطة مشبوهة من خلال شبكة من الأئمة والوعاظ المرتبطين بالتنظيم، حيث تجاوزت الأموال المنهوبة 100 مليون دولار.
أما الخبر السيئ، فهو أن التنبؤ بأفعال أو أقوال ترامب أصبح دربا من دروب المستحيلات، لا يعترف بالثوابت السياسية، ولا يؤمن بالتقاليد الدبلوماسية أو البروتوكولية. بعض الصحف الأمريكية تصف أفعاله بـ«العبثية». وبالفعل تبدو عبثية إذا وضعناها في إطار المنطق التقليدي للأمور، لكنها ستأخذ جانباً آخر إذا رأيناها بمنظور ترامب الذي يؤمن بأنه «لا عداوات دائمة ولا صداقات دائمة، ولكن مصالح دائمة».
الأمثلة على هذه العبثية عديدة. قبل أيام تابعنا مشهداً أقرب ما يكون إلى ملهاة، بالتأكيد لن يكون الأخير، لأنه لم يكن الأول. إرهابي رصدت الولايات المتحدة جائزة قدرها 10 ملايين دولار على رأسه يُستقبل في البيت الأبيض، ويقوم الرئيس الأمريكي بنفسه بتعطيره برذاذ من أحد عطوره المفضلة، بل ويضمه إلى «التحالف الدولي للحرب على الإرهاب»!
وهو نفسه الذي كال اتهامات عديدة لحاكم نيويورك المنتخب زهران ممداني، وبعدها بايام استقبله في المكتب البيضاوى ورحيب به ووضعه على قائمة أفضل أصدقائه المفضلين. وهو أيضاً الذي أحضر الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي إلى البيت الأبيض ووجه له سيلًا من الإهانات المباشرة وغير المباشرة بداية من زيه إلى شخصيته التي وصفها بالعدائية، ثم التقاه بعد ذلك أثناء قمة الناتو في لاهاي ووصفه بأنه «صديق جيد».
هذا الرجل الذي أعلن أنه جاء لإنهاء الحروب في العالم ليعم السلام مشارق الأرض ومغاربها، والذي ركّز برنامجه الانتخابي على إنهاء الصراعات وعدم الدخول في أي نزاعات خارجية، قرر تغيير اسم وزارة الدفاع الأمريكية إلى «وزارة الحرب»، ليتبيّن بعدها أن الحروب التي كانت منسية على وشك التجدد والاشتعال؛ من إيران إلى فنزويلا، ومن نيجيريا إلى جرينلاند، ومن تهديد بغزو كندا إلى إعلان نيته قصف بنما.
حالياً، تتواجد قوة بحرية أمريكية ضخمة في منطقة البحر الكاريبي، في الوقت الذي يعلن فيه ترامب أن الهدف هو «الديكتاتور» الفنزويلي نيكولاس مادورو، لكن هناك من يرون أن بنما قد تكون هي الأخرى على قائمة الأهداف.
وتشرف القيادة الجنوبية الأمريكية – التي نفذت ضربات في إيران – على العمليات في فنزويلا، وحتى الآن، قتلت الولايات المتحدة ما لا يقل عن 65 شخصاً في 15 غارة جوية استهدفت سفنًا يُزعم أنها تهرِّب المخدرات قبالة سواحل أمريكا الجنوبية، وقد أوضح ترامب أنه يدرس استهداف أهداف برية في فنزويلا لاحقاً.
المثير للاهتمام أن مهمة مجموعة حاملة الطائرات ووصولها إلى الكاريبي يمثلان دليلاً إضافياً على تحوُّل إدارة ترامب إلى تصفية حساباتها مع محيطها الجغرافي، وإذا نظرنا إلى الوضع عن كثب، فمن المتوقع أن تتوسع حرب ترامب على الكارتلات بشكل أكبر – ربما إلى المكسيك.
تاريخ حروب أمريكا في الكاريبي وأمريكا اللاتينية معروف، ومن بين العمليات الأكثر شيوعاً: عملية دعم الديمقراطية في هايتي عام 1994، وغزو غرينادا وبنما في ثمانينيات القرن العشرين، وحتى أزمة الصواريخ الكوبية. وجميعها كانت محدودة، لكن من حيث الحجم فإن الحشد العسكري الحالي هو «الأكبر» ضمن الحشود العسكرية غير المرتبطة بإغاثة الكوارث خلال الثلاثة عقود الأخيرة.
ولكي تصبح الصورة أكثر قتامة، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استئناف التجارب النووية ردّاً على اختبار روسيا أحد صواريخها طويلة المدى. وجاء الإعلان من على متن طائرة الرئاسة الأمريكية، وهو متجه إلى بكين للقاء الرئيس الصيني، من خلال تغريدة نشرها على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال». وكتب ترامب: «الولايات المتحدة لديها أسلحة نووية أكثر من أي دولة أخرى. وقد تحقق ذلك، بما في ذلك التحديث الكامل للأسلحة الموجودة وإصلاحها، خلال فترة ولايتي الأولى. وإنني أكره القيام بذلك، لكن لم يكن لدي خيار! أصدرت تعليمات لوزارة الحرب بالبدء في اختبار أسلحتنا النووية على قدم المساواة. ستبدأ هذه العملية على الفور».
يشكل هذا الإعلان دليلاً جديداً على نهج ترامب المتقلب وغير المنضبط من عدة نواحٍ: أولاً: أنه لم يستشر أقرب معاونيه الذين فوجئوا تماماً، كما ذكرت شبكة «سي إن إن». ثانياً: القرار متعلق بأسلحة نووية غير تقليدية، وهذا الأمر له تداعيات أخطر من أن تُترك للمجهول. ثالثاً: أن الإعلان جاء عبر منصة تواصل اجتماعي، وعادةً مثل هذه القرارات المتعلقة بالملف النووي لا تُنشر للعامة. رابعاً: أن ترامب أمر البنتاغون باستئناف التجارب النووية، مع العلم أن المعني بهذا القرار هو وزارة الطاقة الأمريكية وليس وزارة الحرب، وهذا يدل بلا أدنى شك على أن الرئيس لا يعرف اختصاصات ومهام كل وزارة... وهذه مصيبة أخرى. خامساً: استخدم ترامب الاسم الجديد للبنتاغون «وزارة الحرب» في إعلانه، مما يؤكد نهج الإدارة الأكثر عدوانية في القضايا الأمنية. يُذكر أن وزارة الدفاع الأمريكية أُعيد تسميتها باسم «وزارة الحرب» في 5 سبتمبر كجزء من أمر تنفيذي لترامب، على الرغم من أن الكونغرس لم يوافق على التغيير.
القرار أثار جدلاً بشأن دوافعه وحيثياته الفنية، وحذّر خبراء الطاقة من مخاطر كسر الحظر الدولي المفروض على تجارب الأسلحة النووية، مشيرين إلى أن الإعلان قد يمنح الصين فرصة لتعزيز قدراتها التقنية في المجال النووي أكثر مما يفيد الولايات المتحدة، حيث تشكل الخطوة تهديداً للمعايير الدولية وتسبب قلقاً واسعاً بين خبراء الأمن الدوليين، مع توقعات بأن تنفيذها لن يكون سهلاً أو سريعاً، بل قد يستغرق وقتاً بسبب الإجراءات القانونية والفنية المعقدة.
لم تجرِ الولايات المتحدة اختباراً مباشراً للأسلحة النووية منذ عام 1992، عندما فرض الرئيس جورج إتش دبليو بوش من جانب واحد حظراً على التجارب. وبعد أربع سنوات، في عام 1996، وقّع الرئيس على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، مما عزّز التزام الولايات المتحدة بالامتناع عن التجارب النووية. وفعلياً، يمثل هذا القرار تغييراً جذرياً في السياسة النووية الأمريكية ويلغي تعليق التجارب النووية الذي دام 33 عاماً.
على كل حال، أصبح وجود البحرية الأمريكية حول فنزويلا أمراً واقعاً في انتظار ما يجول بخاطر ترامب الذي كشفت استطلاعات الرأي أنه أصبح أقل شعبية، وفقاً لاستطلاعات YouGov التي أُجريت على أكثر من 2000 شخص في الولايات المتحدة. ووجد الاستطلاع حول عملية فنزويلا المحتملة أن أكبر انخفاض كان بين الجمهوريين: إذ يؤيد 58% الخطوة مقارنة بـ68% في سبتمبر، في الوقت نفسه ارتفعت نسبة عدم التأييد من 13% إلى 17%... المؤكد أن ترامب «لا يمكن توقعه».